أجاب عليها : د. علي بن عمر بادحدح
الاستشارة :
أكتب هذا السؤال وقلبي يعتصر والحزن يلفني والدموع تملأ عيني وسؤال طالما أردده وأبحث له عن إجابة التفت حولي لأجد من يرشدني فلا أجد لذلك عسى أن أجد الجواب هنا هل نحن على حق؟ أعني في سؤالي أنني عندما التفت حولي لا أجد من يتبع الحق فلا أرى سوى القليل وقد أكون لست منهم عندما قلت إن قلبي يعتصر نعم هو كذالك فقد أصبح بعض العلماء يفتي بأمور الدين بما هو مخلف للسنة والشريعة أفتوا بجواز الغناء ودخوله بالإنشاد ظهور النساء بالتلفاز وبالذات ما يسمونه الكليب الإسلامي. اختلف كل شيء كثرة الفتن واشتد البلاء وقل الجهاد وأصبح باسم الوطن بدل الدين قل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تساهل كثير من النساء بالحجاب تساهل الناس بالصلاة أصبح الناس يلهثون وراء دنياهم الفانية.
هنا وقفت حائرا محاولاً أن أتشبث ولو بشيء من الحق المنزل فلم أعد أثق ببعض الفتوى فهل نحن على حق؟ إلى أين نسير وأين سوف نصل وكيف سنكون إن ذاك حالنا ؟
الإجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد
أبدأ الجواب للأخت السائلة بحديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ ) "وقَالَ اِبْن بَطَّال : "جَعَلَ اللَّه فِي فَطْر النَّاس مَحَبَّة الْكَلِمَة الطَّيِّبَة وَالْأُنْس بِهَا كَمَا جَعَلَ فِيهِمْ الِارْتِيَاح بِالْمَنْظَرِ الْأَنِيق وَالْمَاء الصَّافِي وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكهُ وَلَا يَشْرَبهُ"وقَالَ الْحَلِيمِيّ : "وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبهُ الْفَأْل لِأَنَّ التَّشَاؤُم سُوء ظَنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ سَبَب مُحَقَّق ، وَالتَّفَاؤُل حُسْن ظَنّ بِهِ ، وَالْمُؤْمِن مَأْمُور بِحُسْنِ الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلّ حَال"،وفي ضوء ذلك فإن المسلم يحسن به التفاؤل والنظر إلى الجوانب الإيجابية وهي كثيرة بحمد الله تعالى، ولا ينبغي المبالغة في استحضار السلبيات وتضخيمها والاقتصار عليها فقد روى أبوهُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ"، قَالَ : الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ لَا يَزَال الرَّجُل يَعِيب النَّاس ، وَيَذْكُر مَسَاوِيَهُمْ ، وَيَقُول : فَسَدَ النَّاس ، وَهَلَكُوا ، وَنَحْو ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أَيْ أَسْوَأ حَالًا مِنْهُمْ بِمَا يَلْحَقهُ مِنْ الْإِثْم فِي عَيْبهمْ ، وَالْوَقِيعَة فِيهِمْ ، وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْب بِنَفْسِهِ ، وَرُؤْيَته أَنَّهُ خَيْر مِنْهُمْ . وَاَللَّه أَعْلَم.
وهذا لا يعني عدم النقد البناء والنُّصح المُصَحِّح، ولا يمنع ذلك من ذكر الأخطاء بقصد معالجتها، وفي كل الأحوال يظل حسن الظن مع حسن العمل أمران مهمان لتحقيق الأمل.
وأما السؤال: هل نحن على حق؟ والقول بعدم وجود من يتبع الحق إلا لقليل، فإن المسلمون على حق في أصل اعتقادهم بالإسلام فهم موحدون لله ومؤمنون بخاتم أنبياء الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤمنون بالقرآن كتاب الله المحفوظ، وأصل النجاة في الآخرة عمادها شهادة التوحيد واعتناق الإسلام وقد روى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟، أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟، فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟، فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟!، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ ) [ رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه ] .
وأما ما ورد في السؤال من أوضاع اختلاف الأحوال والأعمال من تجويز الغناء وظهور النساء وقلة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتساهل في الصلاة و نحو ذلك فإن هاهنا أمور مهمة:
1- هناك أمور محرمة الأدلة على حرمتها صريحة وصحيحة فهذه لا يُقبل من أحد التساهل بشأنها .
2- ولذلك فإن المسائل الفقهية فيها خلافات كثيرة بين الفقهاء بسبب ذلك. فقد يكون الدليل واحداً لكن فهم الفقهاء له يختلف، وليس هذا بمستغرب، فقد اختلف الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر على أحد منهم رغم أن كلا منهم فعل فعلا مختلفاً عن الآخر، وبيّن صلى الله عليه وسلم أن المجتهد في الوصول إلى حكم الله في مسألة من المسائل هو واحد من اثنين: إما أن يصيب الحق فيكون له أجران، وإما أن يخطئ فيكون له أجر. وقد أجمعت الأمة على ذلك. يقول ابن تيمية " فقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن من الخطأ في الدين ما لا يكفر مخالفه ؛ بل ولا يفسق ؛ بل ولا يأثم ؛ مثل الخطأ في الفروع العملية " [الكيلانية ص77.]
والحق في المسائل الفقهية هنا ليس يقينيا دائماً بالنسبة للمجتهد، بل هو يجتهد في الوصول إليه من خلال ما لديه من أدلة إلى ما يغلب على ظنه أنه هو الحق.
وبالتالي يختلف الفقهاء في ذلك اختلافاً كبيرا.
3- أرسل الله تعالى رسوله إلى الناس كافة، وجاءت نصوص الكتاب والسنة لتبين للناس أوامر الله تعالى ونواهيه، ومما جاء في كتاب الله تعالى: { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود : 118 ] . فطبيعة البشر الاختلاف.
فأفهامهم مختلفة، وخلفياتهم مختلفة، وطريقة تناولهم للأمور مختلفة.
أما القول بأنه (قد اصبح بعض العلماء يفتي با مور الدين بما هو مخلف للسنة والشريعه..) فكيف تسميهم بالعلماء ثم تقولين بأنهم بفتون بما يخالف السنة والشريعة. وهنا ملحظ مهم وهو عدم ذم العلماء والنيل من أعراضهم.
ومن المهم القول: هل السنة والشريعة هي ما ألفناه من فتاوى أو أراء أو مذهب فقهي؟ وهل العلماء هم فقط من نعرفهم؟ أو هم فقط من هم في بيئتنا ويفتون بما يوافق رأينا؟ اللهم لا.
إن السنة والشريعة أكبر من ذلك.
هؤلاء العلماء ما داموا علماء، وقد ثبت لهم هذا الوصف فإنهم بلا شك يعتمدون على أدلة شرعية معتبرة من وجهة نظرهم فلا يجوز لنا أن نطلق عليهم تهمة المخالفة للسنة والشريعة، فلسنا أولى بالصواب منهم.
أما إذا لم نقتنع بفتواهم ولسنا من أهل الاجتهاد، فعلينا أن نأخذ بفتوى من نثق في دينه وعلمه، دون انتقاص لغيره، فلا يجوز لنا أن نخوض في أعراض المخالفين من العلماء فلحوم العلماء مسمومة.
وأما ما ذكرت من البلاء الواقع في الأمة:
فإنه من قدر الله تعالى علينا، وجزء كبير منه إنما هو بسبب رفضنا لتقبل بعضنا البعض وفقدان البعض لأدب الخلاف المعتبر شرعاً مما أوجد التنازع والتفرق والفشل والله تعالى يقول: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ الأنفال : 46 ] .
وعلينا أن نسعى جاهدين لتغيير المنكرات التي نستطيع تغييرها سواء في الاعتقاد أو في العبادات أو في الأخلاق شريطة أن تكون منكرات متفق على أنها منكرات، وليس هناك مجال للاجتهاد المعتبر فيها. ونحتسب في ذلك الأجر عند الله.
علينا أن نوجه جهودنا لتغيير واقعنا كل في مجاله وفي محيطه بدل أن ننشغل بتخطئة الآخرين وتفسيقهم واتهامهم فالكل في النهاية يرجو رضى الله والجنة. والكل يجتهد في خدمة الدين بما يراه موافقاً لأمر الله وسنة نبيه ومقاصد شريعته الغراء.
نسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وهو الهادي إلى سواء السبيل
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين