(3) – إعادة صياغة الخصوصية الثقافية العربية: إذ يبدو واضحا أننا أحوج ما نكون إلى إعادة صياغة الخصوصية الثقافية العربية، بمعنى أننا في أمسِّ الحاجة إلى عملية إحياء ثقافـي .
(4) – ضرورة دعم حوار الثقافات: ما دام حوار الثقافات من منطلق التنوّع البشري الخلاّق أولا، وبحثا عن أفق متوازن للتفاعل بين العام والخاص، العالمي والوطني ثانيا، وقائما على الاعتراف بالآخر وحقه في الاختلاف والتميّز بخصوصيته ثالثا، وداعما لقيم العدل الاجتماعي وآفاق الحرية الفكرية والإبداعية رابعا.
(5) – ضرورة التكيّف مع معطيات التطور: إذ يجدر النظر إلى أنّ الثقافة العربية والفكر العربي، شأنهما شأن أي ثقافة أو فكر، لا بد من أن يكونا في حال تكيّف دائم مع معطيات التطور الفكري والثقافي العالمي المتسارع. ويبدو أنّ الخطوة الأولى في محاولة التعاطي مع العصر تكمن في فهم لغة الخطاب العالمي المعاصر، التي يتم التعامل بها بين أطراف هذا العالم الجديد، وخاصة القوى الغربية المؤثرة، وبالتحديد فهم توجهات هذا العالم نحونا. إذ أنّ البحث في قضية الحوار بين العالم العربي والخارج هو بحث في المستقبل، وأية دراسة للمستقبل لا بد أن تنطلق من صورة العالم، ونماذج تطور النظام العالمي في أبعاده السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والثقافية .
(6) – ضرورة مراجعة التجربة القومية المعاصرة: المراجعة تبدأ بما قدمه العرب والمسلمون في نصف القرن الأخير من مشروعين، أو بالأحرى خطابين فكريين وسياسيين علي درجة كبيرة من الأهمية، هما: الخطاب القومي العربي، أمثلته كانت في مصر وسورية والعراق وليبيا والجزائر. والخطاب الإسلامي، نماذجه كانت في السعودية وإيران والسودان وباكستان ثم في تركيا مؤخرا، مع بعض الاختلافات. لكنّ جزءا من الالتباس النظري والإخفاق العملي في الخطابين، ربما باستثناء نماذج ماليزيا وتركيا، كان مرده السقوط في شرك الانكفاء على الذات وتجاهل قيم التقدم الإنساني المعاصرة، وعدم التواصل مع العالم بلغته ومنطقه، وهكذا لم يحسن الخطابان العروبي والإسلامي الكشف عن آفاقهما الإنسانية الرحبة، على الأقل في موقفيهما من العالم المعاصر وقيمه.
(7) – ضرورة حوار الذات بروح نقدية: الخطوة المنطقية الأولى نحو الحوار يجب أن تكون حوار الذات بروح تأملية نقدية، وبرؤية عميقة وبعيدة لسياق التطور العالمي ومعالم دورنا الحضاري الممكن ومقوّمات تحقيقه، وعناصر الإعاقة في الوصول إليه. مسلحين في كل ذلك بشجاعة المصلحين، وبالمستقبل الذي يعيد للعقل مكانه وللمنهج التاريخي النقدي سلطانه، ثم بمعرفة عميقة للغير ومصالحه كما يراها راهنة ومستقبلية، وبنظام تفكيره وأولوياته إزاء ما يهمنا من قضايا، وبرغبة صادقة وأمينة في التفاعل البنّاء القائم علي الثقة والصدق في بناء وخدمة المصالح المشتركة، من منطلق الاحترام المتبادل وروح الشراكة العادلة والأخوة الإنسانية الناضجة.
وفي هذا السياق، يجدر بنا أن نقلع عن تحميل مسؤولية عجزنا وتأخرنا على الآخر الغربي، فإذا نسبنا مسؤولية كل ما نتعرض له من إجحاف وظلم قومي إلى الآخرين، فلن يكون من الممكن أن نحدد لأنفسنا مهاما خاصة بنا، وسنظل أسرى منطق دائري يجعلنا نعكف على انتظار الخلاص بالصدفة. بينما المطلوب أن نتحرر من هذه النزعة، وأن نجري تغيّرات ثقافية جوهرية، تتضمن- قبل كل شيء- الاعتراف بمسؤوليتنا المباشرة عن أوضاعنا الراهنة وعن مصائرنا، ومن ثم عن المعطيات الأساسية لمستقبلنا في الإطار العالمي.
(
– ضرورة التمييز بين الوعين الماضوي والمستقبلي: لابد من أن نميز بين نوعين من الوعي الثقافي: وعي ماضوي تقليدي، ووعي مستقبلي استشرافي. الوعي الأول وعي أصولي نقلي، يحاول أن يشد حياتنا إلى الوراء، وذلك على نحو يغدو معه سؤال المستقبل سؤالا غائبا في حياتنا وليس عنصرا تكوينيا من عناصرها الحيوية.
وأما الوعي الثاني فهو نقيض الوعي الأول، لأنه وعي يفتح أفق التجريب والاحتمالات، ويقيس على الحاضر في حركته إلى المستقبل، ولا ينشغل بالماضي إلا بوصفه عنصرا من عناصر الحاضر الذي يقبل التحوّل والتطور والمساءلة.
إنّ معركة العرب اليوم مع ضعفهم وهامشيتهم قبل كل شيء آخر، ثم وبعد ذلك مع العوامل التي تعطل إرادتهم وتحول بينهم وبين امتلاك عناصر ومقوّمات اليوم، سواء أكانت خارجية أم داخلية. أما تجاهل كل هذه المخاطر والاكتفاء بتوجيه الأنظار صوب الصراع الحضاري مع الغرب، فلا يعدو أن يكون تصميما مقصودا لهدر المزيد من الوقت والطاقات في مواجهة وهمية لن تصلح من أحوالنا وشروط وجودنا، بل على العكس سوف تسهم في تكريس الوضعية العربية البائسة والعاجزة.
تونس في 8/9/2005 الدكتور عبدالله تركماني
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
(*) - محاضرة قدمت في إطار الدورة السنوية لـ " معهد العلاقات الدولية – الجمعية التونسية للدراسات الدولية " تحت عنوان " مجتمع المعلومات ومستقبل الشراكة " في الفترة ما بين 5 و 23 سبتمبر/أيلول، وفي إطار ندوة " الحضارات: الصدام والتعاون " في 9 سبتمبر/أيلول 2005 .